حماس

بعد اغتيال هنية واختيار السنوار.. حماس إلى أين؟

الخيار النموذجي والأمثل أمام مشعل كان هو التمنع والرفض ثم الإنسحاب من المنافسة بعد أن أبدى السنوار رغبته بقيادة الحركة

ظاهر الأمور يوحي أن حركة حماس نجحت في تجاوز مسألة اغتيال رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية، واختيار يحيى السنوار قائد الحركة في قطاع غزة وأحد النواب الثلاثة لرئيس الحركة خلفا له بسلاسة ودون ضجيج وصخب داخلي الذي عادة ما يصاحب التفاعلات الداخلية للانتخابات الدورية التي تعقدها الحركة، كما هو الحال في الانتخابات الأخيرة عام 2021 في إقليم غزة تحديدا، حيث كانت المنافسة قوية بين يحيى السنوار والقيادي نزار عوض الله على رئاسة الحركة في القطاع، عوض الله الذي يعتبر من الرعيل الأول وسبق أن شغل العديد من المواقع القيادية المتقدمة من ضمنها رئاسة الحركة في قطاع غزة فترة الإنقلاب عام 2007، وكانت النتيجة فوز السنوار بصعوبة بعد أكثر من جولة إعادة لانتخابات رئاسة المكتب السياسي (الدورة الثانية له في رئاسة اقليم غزة)، وهو ما يوحي بتراجع التأييد للسنوار بسبب أدائه في الدورة الاولى.

العديد من الأسباب جعلت عملية الاختيار تتم بسرعة وبسلاسة، في مقدمتها العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني وعنوانه المعلن “القضاء على حركة حماس”، والذي أحدث هزة كبيرة في البنية التنظيمية للحركة ومؤسساتها الشورية والتنفيذية تمثلت في غياب عدد من قيادات وازنة، وأخرى فاعلة ومؤثرة في العملية الانتخابية، لو جرت في وضعها الطبيعي، والاختفاء القصري لقيادات أخرى تحديدا في اقليم غزة، وهو ما فرض على الحركة أن تتماهى مع هذا الواقع الاستثنائي واجتراح وسيلة استثنائية تعتمد على مشاورات ومداولات نخبوية للقيادات التنفيذية والشورية المتاح التواصل معها، وهذا الواقع ساهم في تلاشي وتجاوز أي خلافات داخلية بغض النظر عن مستواها وعمقها وتجذرها، وهو ما يجنب الحركة تداعيات ربما لا تستطيع احتمالها.

الأمر الآخر هو ادراك التيار الآخر وعلى رأسه خالد مشعل، والذي يحمل نهجا ورؤية تخالف تلك التي يحملها السنوار وتياره، أنه وفي ظل هذا الواقع المعقد لا يمكن له أن يقود الحركة وفق رؤيته حيث سيكون أمام خيارين أحلاهما مر، الأول: الصدام مع تيار السنوار الذي يمتلك قوة ميدان المعركة وبالتالي التحكم في مسارها ومآلاتها، والأهم مسألة مفاوضات وقف اطلاق النار وصفقة التبادل، وما يرتبط بها من رؤية مستقبلية ذات علاقة باصطفافات وتحالفات الحركة على المستوى الإقليمي، وهو ما ينذر بانقسامها، ويتحمل مشعل بوصفه رئيس الحركة مسؤولية نتائج هذا الموقف وما ستؤول إليه أوضاعها من ضعف وتشتت.

أما الخيار الثاني: فهو الاستسلام لنهج وسياسة السنوار، وهو ما يتعارض مع استحقاقات الموقع ولا ينسجم مع شخصية مشعل، القائد العتيق والمعتق، والذي يقال بأنه صاحب الرؤية الاستراتيجية …!!، كما يعني الاستسلام والتسليم لنهج السنوار تراجع وضعف قدرته وتياره في التأثير على واقع ومستقبل الحركة، وكذلك ضعف الرهان عليه من الداعمين الإقليمين لصالح منافسه السنوار وفريقه، والأهم أنه سيتحمل مسؤولية مرحلة هو بالأساس يتحفظ على أحداثها ومجرياتها، ولم يبدأها ولم يكن جزءا منها، وهو ما سيقود لنفس النتيجة.

الخيار النموذجي والأمثل أمام مشعل كان هو التمنع والرفض ثم الإنسحاب من المنافسة بعد أن أبدى السنوار رغبته بقيادة الحركة، وترك الجمل بما حمل لمن كان سببا في الكارثة التي حلت بالحركة وبالقضية الفلسطينية على جميع الصعد والمستويات، وليتحمل هو وتياره مسؤولية اتمام المشوار لآخره، وانتظار انتهاء الحرب وانجلاء الأمور، وحينها سيكون لمشعل الحديث والموقف والمسؤولية التي أحجم عن تحملها والدفاع عنها.

إذًا هذا التوافق والاجماع يخفي خلفه خلافا جديا وحقيقيا بين تيارين رئيسيين يتنافسان وربما يتصارعان داخل الحركة، وهذا الأمر له جذوره ومساراته ومسائله، والذي واكب حركة حماس منذ انطلاقتها عام 1987، بغض النظر عن مستوى هذا الخلاف وقضاياه وشخوصه، والذي شهد مستويات مختلفة تبعا لظروف وسياقات كل مرحلة من مراحل تطور الحركة. الثابت الوحيد الذي يمكن الحديث حوله في هذا السياق أن تطورات هذا الخلاف قادت في المرحلة الحالية إلى وجود التيارين المشار إليهما آنفا. التيار الأول يمثل المنهج والنهج الإخواني الذي يقوده خالد مشعل وفريقه من “مجموعة الكويت” الذين تربوا وترعرعوا في كنف جماعة الإخوان، والذي يحمل نهجا مختلفا في فهمه لموقع ودور حماس في القضية الفلسطينية قائما على مفهوم المشاركة كمرحلة انتقالية لتحقيق الهدف الاستراتيجي بسيطرة الحركة على مقاليد السلطة والمنظمة، مستندا في ذلك إلى المراجعات التي أجراها على خلفية الفشل الذي صاحب تجربة الإخوان في الصعود والسقوط في مرحلة ما يسمى بثورات الربيع العربي، والتي سجل فيها مشعل انتقادات علنية “للحركات الاسلامية” وتحديدا حول كيفية تعاطيهم مع مفهوم الشراكة والعلاقة مع الآخر وإدارة الدولة، وفي السياق نفسه أكد على فشل نظرية البديل في إطار العلاقات الفلسطينية الداخلية. وهو يرى وكمخرج من الوضع الكارثي الذي وضعت الحركة نفسها فيه بفعل مغامرة 7 أكتوبر، الحفاظ على الرأس فوق الماء بدل من قطعه، عبر اتباع سياسة الانكفاء الإخوانية، والاصطفاف مع قوى اقليمية قادرة على انقاذ الحركة مما هي فيه.

التيار الآخر الذي يقوده السنوار، والذي أمضى معظم سنوات عمره داخل السجن بعيدا عن معايشة جماعة الإخوان وتشرب نهجهم وسياساتهم، وخرج من السجن في مرحلة شهدت فيها الجماعة تراجعا تدريجيا وانقسامات وملاحقات قادت إلى فقدانها مقومات ومقدرات الفعل المؤثر وأهمها نزع الشرعية عنها في أهم مراكز الثقل التي كانت تتمتع بها، وهذه الحالة تزامنت مع صعود كبير وتعاظم في قدرات حماس العسكرية والمالية والامتدادات الاقليمية والدولية، والأهم قدرتها على الاحتفاظ بمشروعها في قطاع غزة بعكس النماذج الأخرى للإخوان التي سقطت سقوطا مدويا، وهو ما أوجد شعور بأن الحركة أكبر من الجماعة، وفي ظل العقلية المغامرة والصدامية التي يحملها السنوار وجد ضالته في ايران، ومن هنا نشأت هذه العلاقة (…!!) بين حماس وإيران بعد أن تمكن السنوار من السيطرة على قرار ومقدرات الحركة، واستطاع تشكيل تيار موال له ولمشروعه في الحركة، بحراك ودعم من إيران وذراعها حزب الله.

أقرأ أيضا : حماس ظالمة ومظلومة في مصر

الواضح الآن أن تيار السنوار الذي يدور في فلك ايران هو من يقود زمام الأمور بحكم قوة الأمر الواقع، وأن التيار الآخر والمضاد الذي يقوده مشعل سلم بالأمر الواقع، انتظارا لما ستسفر عنه نتائج الحرب ومنها مصير قائد الحركة الجديد يحيى السنوار، والذي سيخرج إن بقي على قيد الحياة منهك وتياره مثخن بالجراح، وحينها ستكون لمشعل وتياره كلمتهم، ومن خلفه القوى الإقليمية التي تسانده لإعادة صياغة الحركة من جديد، وفق ما تقتضيه نتائج ومخرجات الحرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى